يمكن لعقل وخيال الفنان الذهاب إلى أماكن قد لا تستطع الكاميرا الوصول إليها حتى الآن، وربما هذا هو الجوهر والمحرك لنشأة الفن الفلكي. سنتشارك معاً في هذه السلسلة وجوهاً عديدةً لفن الفضاء أو ما يعرف بالفن الفلكي، وسنستعرض عدداً من نتاج الإرث الإنساني في هذا الخصوص.
مصطلح فن الفضاء أو الفن الفلكي (Space art – Astronomical Art)
بحسب ما ورد لدى الرابطة الدولية للفنانين الفلكيين، فإن الفن الفلكي هو نوع من التعبير الفني الحديث الناشئ عن المعرفة والأفكار المرتبطة بالفضاء الخارجي، سواء كمصدر للإلهام أو كوسيلة لتصور الرحلات الفضائية والترويج لها. للفن الفلكي، كما لجميع الإبداعات الفنية، عدة وجوه تشمل الواقعية، الانطباعية، فن الأجهزة، النحت، الصور المجردة، والفن الحيواني.
أيضاً، هذا النوع من الفنون لايزال في مهده، حيث أنه بدأ عندما اكتسبت البشرية القدرة على النظر إلى عالمنا وتصوير مكنونات الفضاء الخارجي. هذا التصوير للتنوع اللامتناهي للحياة يطرحُ تساؤلاتٍ هامة ويشكِّلُ محاولةً لفهم الكون الشاسع الذي نعيش فيه.
لعقودٍ من الزمن، اكتشف ممارسو الفنون المرئية الفضاء في خيالهم باستخدام وسائط الرسم التقليدية. أما الآن، يستخدم الكثيرون منهم وسائطاً رقميةً لتحقيق هذه غايات. كانت مجلات الخيال العلمي ومجلات المقالات المصورة ذات يومٍ منفذاً رئيسياً لفن الفضاء أو الفن الفلكي، وكانت غالباً ما تعرض صور الكواكب والسفن الفضائية والمناظر الطبيعية الغريبة.
يعتبر تشيسلي بونيستل، ولوسيان رودو، ولودييك بيشيك (Chesley Bonestell, Lucien Rudaux, and Luděk Pešek) من بين رواد هذا الفن. فلقد شاركوا بنشاطٍ في تصور مقترحات استكشاف الفضاء بمساعدة المعلومات المزودة من قبل علماء الفلك والخبراء في مجال الصواريخ الحريصين على نشر أفكارهم إلى جمهور أوسع.
فمثلا كانت إحدى نقاط القوة في عمل بونيستل، على وجه الخصوص، هو تصوير العوالم الغريبة بجمالها الفضائي الخاص، والتي غالبا ما كانت تعطي إحساساً بالوجهة التي يمكن للوسائل التكنولوجية أن تصل إليها. لذلك، يعد الفن الفلكي أو فن الفضاء إلى حد كبير ثمرةً للمعايير الفنية لبونيستل، وهو جانب من جوانب الفن الذي ينصب تركيزه الأساسي على إعطاء انطباعات بصرية للمشاهد عن الأماكن الفضائية والغريبة في الكون.
هناك العديد من الأنواع الفرعية لفنون الفضاء، ولكل منها خصائصها الفريدة، كما هو الحال مع أي شكل آخر من أشكال التعبير الفني. لذا يجب أن يكون العمل في الفن الفلكي ناجحاً وفقاً لمعايير الجمال والحرفية الخاصة بأي عمل من أي حركة فنية.
اتجاهات في الفن الفلكي
الواقعية التصويرية
تعتبر الواقعية التصويرية الوريثة المباشرة للمعايير الفنية لدى لوسيان رودا وتشيسلي بونستيل، وتركز بشكل أساسي على إظهار المشاهد وتصويرها تصويراً مرئياً دقيقاً وعلمياً للأماكن الغريبة في الكون.
لوحة زحل كما يرى من تيتان لتشيسلي بونستيل، 1944
لوحة جوبيتر كما يرى من آيو (أحد الأقمار التابعة له)
الانطباعية الكونية
وهي مثل تلك الأعمال المنجزة في العصر الانطباعي، فيها يتم استخدام اللون والشكل لإعطاء المشاهد انطباعاً فنياً عن موضوع الصورة، دون المحاولة أن تكون دقيقة تقنياً أو مفصلةً للغاية أو ملتزمةً بالمبادئ العلمية المعروفة. على الرغم من المرونة والاتساع الناتجين عن هذه الديناميكية الفنية، يبقى الموضوع في جوهره مرتبطاً ومستوحىً من الفضاء.
لوحة شروق الشمس لمونيه
فن الأجهزة
يتشابه نوع الفن هذا عادةً مع فن الأجهزة الواقعية التصويرية، ولكنه يركز على التصوير التفصيلي لأجهزة سفن الفضاء والمجسات والمعدات المستخدمة في محيط الفضاء.
نحت الفضاء
ربما يصعب التعرف على أعمال النحت الفضائي لأنها عادة ما تكون أكثر رمزية أو تجريدية بطبيعتها، مثل شكل صاروخ أو نوافذ زجاجية ملونة تمثل أجساماً نجمية أو عملاً منحوتاً مصمماً خصيصاً لعرض انعدام الجاذبية. ومع ذلك، فإن الإلهام الرئيسي للأعمال ثلاثية الأبعاد لفن الفضاء هو كما في الأنماط الأخرى: الفضاء بحد ذاته.
جاذبية الفضاء – عمل للفنان الفرنسي المعاصر رومان لانغلوا
الفن الحيواني المنبثق عن علم الحيوان الكوني
على الرغم من أن السؤال عن الحياة الأخرى في الكون لا يزال محيراً ولم تتم الإجابة عليه بعد، فإنه يمكن للفنانين التكهن به وتخيل احتمالاته. علم الحيوان الكوني هو تصوير الحياة خارج كوكب الأرض في أماكن خارج كوكب الأرض. في كتابه الترفيهي والمثير للأفكار The Zoologist's Guide to the Galaxy، يقدم عالم الحيوان بجامعة كامبريدج وعالم الأحياء الرياضي أريك كيرشنباوم للقراء مخططاً مبدئياً لطبيعة الحياة المحتملة على الكواكب الأخرى التي قد تكون صالحة للسكن. لعل أقرب مثال لتصوير الحياة خارج كوكب الأرض هو ما نراه في أفلام الخيال العلمي، كما في فيلم أفاتار.
التصوير الفلكي:
سديم الوشاح وهي صورة ملتقطة بواسطة التلسكوب الفضائي هابل - تمثل تصويرالفضاء العميق
صورة لذراع درب التبانة مأخوذة من صحراء سالار دي ايوني وتمثل التصوير الفلكي بالمجال الواسع
صورة لاحدى الانفجارات الشمسية التقطها المصور بول اندرو بواسطة تلسكوبه الأرضي في حديقة منزله جنوب شرق انكلترا - تمثل تصوير النظام الشمسي
مسارات النجوم وتمثل التصوير الفلكي بالفواصل الزمنية
صورة لكوكب زحل ملتقطة بواسطة تلسكوب أرضي من قبل فريق (Pic-Net Pro-Am)
التصوير الفلكي هو شكل من أشكال التصوير الفوتوغرافي خارج الأرض، وهو ذاته ينقسم لعدة أوجه:
1. تصوير الفضاء العميق (مثل الصور التي تلتقط بواسطة تلسكوب هابل للسدم والمجرات البعيدة)
2. النظام الشمسي (مثل صور الكواكب داخل مجموعتنا الشمسية، ويمكن التقطاها بواسطة كاميرات رقمية وتلسكوبات أرضية)
3. التصوير الفكي بالمجال الواسع (مثل صور النجوم الكثيفة لذراع درب التبانة)
4. التصوير الفلكي بالفواصل الزمنية (هو امتداد للتصوير الفلكي بالمجال الواسع مع فارق وحيد: يتم التقاط العديد من التعريضات مع مضي الوقت مثل صور مسارات النجوم)
هنالك نوعٌ آخر من الفن الفلكي يستخدم ظروف الفضاء وبيئة الفضاء نفسها كجزء من وسائطه، ويسمى الفن في الفضاء، مثل تلك الرسوم التي تصف جسماً يسقط سقوطاً حراً أو نحتاً يجعلك تفكر مرتين في كيفية توازنه أو عرضاً فنياً بواسطة شاشات عرض غازات البلازما المدارية.
Continuum أو الاستمراية و هو عمل فني عام للنحات الأمريكي Charles O. Perry يقع أمام المتحف الوطني للطيران والفضاء في واشنطن العاصمة بالولايات المتحدة.
لين مادون، فنانة سورية مقيمة في دمشق حاصلة على شهادة البكالوريوس من جامعة دمشق، كلية الفنون الجميلة، قسم التصميم الغرافيكي والملتيميديا. تعمل لين في مجال الرسوم المتحركة، وتصميم الغرافيك، وتوثيق الأعمال الفنية، والرسم والتصوير، وصناعة المجوهرات. عضو في جمعية الفلكية السورية.