مآل العشب - نورا عثمان

(1)

ثَمَّ انحسارٌ واضحٌ للنَّهرِ أو ثَمَّ انحسارٌ واضحٌ سيكونْ
وأنا أراكَ تُحِيلُ عينَكَ عن جمالي
كانَ يَشغلُني مآلُ العُشبِ
هل سيصيرُ حِنطيّاً؟
رماديّاً؟
ضعيفاً في مَهَبِّ الموتِ؟
مُختَلِطاً عليهِ الأمرُ؟
أقربَ قفزتينِ إلى الجنونْ؟.
عُشبٌ رماديٌّ!
تخيَّلْ!.
ليسَ وُسعي أن أُدِيرَ إليكَ عيني
كنتُ أبكي موتَهُ الآتي،
غريباً، وحدَهُ -والشَّمسُ توقظُهُ-
يُغَيِّبُهُ السُّكونْ.
ونَعَمْ حبيبي
كنتُ أسمعُ صوتَهُ يعوي، يغنِّي، ينتهي
والرِّيحُ تَنخُلُهُ تُراباً
والسَّماويُّ المُحَلِّقُ فوقَهُ عَرشاً، يُطِلُّ بلا عيونْ.
ماذا وراءَ الموتِ قلْ لي؟
لو أصيرُ شُجَيرَةً، وتميلُ أغصاني تِجَاهَ النَّهرِ،
قايضتُ احتضانَكَ لي وحُبَّكَ بالظُّنونْ....
لَولا سيرتفعُ الشِّراعُ على ذراعِكَ
أو تُميلُ إليكَ رأسي مثلَ داليةٍ
وتقطفُ مِن فمي ثمري
وتعجبُ مِن مَذاقي،
حامضاً/ حُلواً، ويُفقِدُكَ اتزانَكَ.
هل شهدتَ سِواهُ -غيرَ النَّهرِ-
ريقاً مُدهِشاً، يُحيِي.
وهل خلَّى على شفتيكَ تياراً مِن الحُمَّى؟
يُغازِلُني ازرقاقُ النَّهرِ مثلَكَ
ظلَّ يخطفُ لَفتَتي
ويشدُّ عيني نحوَهُ.
وأنا أحبُّكَ أنتَ
لكنْ مَن تَرُدُّ غوايةَ الأنهارِ؟!
مَن سلَّتْ سهامَ عيونِها
لتُصيبَ ماءَ النَّهرِ،
تدخلُهُ
وتَطرَحُ ثوبَها
(2)
ساقايَ تندفعانِ في المجرى
ويَخطُرُ لي بأنِّي قد عبرتُ النَّهرَ
قَبلَ الآنِ
مِن زمنٍ سحيقٍ،
كانَ يُعجِبُني ازرقاقُ الماءِ مُتَّحِداً بكعبي
بالتُّرابِ الحيِّ في جسدي
بعُشبٍ أخضرٍ ينمو على أطرافِ ذاكرتي
ويبدأُ غابةً..
لو كانَ هذا النَّهرُ مُمتَلِئاً
لكنتُ غسلتُ شَعري
كنتُ في مرحٍ نثرتُ الماءَ نحوكَ
غيرَ أنِّي
كانَ يَشغَلُني احتمالٌ واحدٌ صعبٌ
بأن يَتَوقَّفَ المَجرَى لأجلي
لاعتصاري كلَّما امتلأتْ مسامّي مِنهُ أو فَرَغَتْ.
أُفَكِّرُ ما الَّذي أعطيهِ مِن جسدي
وماذا لو يَضُخُّ بلونِيَ الحِنطِيِّ أزرقَهُ
ولو في مائهِ ساقايَ ذائبتانِ
لو شيئاً فشيئاً صارَ يأخذُ هيئتي؟
نهرٌ بجسمٍ أنثويٍّ هائلٍ، متمَوِّجاً يجري أمامكَ
أم أنا قد صرتُ ماءً في مكاني
وانتميتُ لموكبِ التَّيارِ....
في عينيكَ -مِن بُعدٍ- ظهرتُ كمَن تلقَّفَها ببطنِ الماءِ حُوتْ.
وكمَوجَةٍ -للبرِّ- تسحبُني، مَخافةَ أن أموتْ!
ماذا ترى في قاعِ قلبي
ما الّذي يا نهرُ يجدُرُ بي
وقد غيَّرتَني....
وبموكبِ التَّيارِ أُجرَفُ
هل ستأخذُني إلى ما لستُ أَعرِفُ؟!
لا أريدُ سوى حبيبي
غيرَ أنّي أتبعُ التَّيارَ يتبعُني حبيبي


نورا عثمان، شاعرة مصرية.